Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
العدالة كغاية للقانون في تاريخ فلسفة القانون المصري :
المؤلف
عبد الجواد، أميمة جمال.
هيئة الاعداد
باحث / أميمة جمال عبد الجواد
مشرف / محمد علي محجوب
مشرف / أحمد على ديهوم
مناقش / طه عوض غازي
مناقش / محمد عبد الرحيم محمد
تاريخ النشر
2023.
عدد الصفحات
440ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2023
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم فلسفة القانون وتاريخه
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 440

from 440

المستخلص

ملخص الرسالة
من خلال ما تم سرده عبر أبواب البحث والتي كشفت لنا أنأهمية دراسة العدالة لم تكمن في مفهوم العدالة فقط وحقيقة وجوديتها فحسب، وإنما تكمن أهمية مبدأ العدالة في أنها تمثل أهم غايات القانون، فالأنظمة القانونية لابد أن تكون عادلة فأمور الناس لا تستقيم إلا بالعدل، ومن هنا ظهرت أهمية دراسة تطبيقات العدالة من خلال الأنظمة المختلفة والتي توصلنا منها إلى أن العدالة هي روح القانون وغايته المثلى، وعليه نخلص لبعض النقاط الهامة أولا ثم نعرض لنتائج البحث والتوصيات:
تعريفات ومفاهيم
العدالة: هي مجموعة القواعد التي يكشف عنها العقل المستنير ويوحي بها الضمير ويرشد إليها النظر الصائب، وهي تتفق مع روح العدل الكامنة في النفس البشرية السائدة في كل العصور والتي تطبق عمليا في فكرة إعطاء كل ذي حق حقه، والمساواة بين الأفراد.( )
فلسفة أي محبة الحكمة، وهي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية philosophy”” ( )، والتي شاع استخدامها في القرن السابع قبل الميلاد فتعني الرغبة في التأمل بهدف الوصول إلى الحكمة، وقد اهتم الباحثون من الفلاسفة بظاهرة القانون ليس باعتبارها نصوصا تشريعيا زائلة، وإنما كظاهرة ترتبط بالفكر الإنساني والحضارة الإنسانية وتتطور بتطوره. ( )
القانون الطبيعي: قد استقرت أكثر التشريعات على اعتبار القانون الطبيعي توجيها للمثل العليا للعدالة يقوم القاضي باستلهامها حال قصر القانون الوضعي عن تناولها( )
العلاقة بين القانون والعدالة: علاقة وثيقة بينهما حيث إنالقاعدة الغير عادلة لا يصلح أن تكون قاعدة قانونية وإنما تعد عملاماديا غير مشروع، ذلك أن العدالة هي الغاية المثلى للقانون والتي يسعى دوما لتحقيقها.
العلاقة بين العدالة والأخلاق: العدالة من الناحية الأخلاقية تمثل توافق بين قوى النفس البشرية بواسطة العقل بهدف تحقيق التوازن، فتنعم النفس بالسلام، وهي مبدأ أخلاقي من الناحية الاجتماعية يقوم على الاعتراف للأفراد بالحقوق الطبيعية والسياسية.
التفرقة بين مصطلح العدل والعدالة: يرتبط العدل بالقاعدة القانونية المجردة وتطبيق المساواة على الوضع الغالب، أما العدالة فتقوم على المساواة الواقعية مع مراعاة التفاصيل والظروف (فكرة العدالة كإنصاف).
مصدر العدالة هو العقل وإحساس العدالة الكامن في النفس البشرية، والذي قد اختلف وتنوعت صوره بتنوع الشعوب فنجد مصدر العدالة عند اليونان هو قانون الطبيعة الذي يكشف عنه العقل، وعند نجد مصدر العدالة عند الرومان هو قانون الشعوب ثم القانون الطبيعي، وفى الشريعة الإسلامية عرفت العدالة تحت اسم الرأي الصادر عن العقل، وفى القانون الإنجليزي فينحصر مصدر العدالة في ضمير الملك، بينما تعد الإرادة الإنسانية هي مصدر العدالة في القانون الوضعي، وفى التشريعات القديمة كان مصدر العدالة هو الآلهة.
ثانيا: مفهوم العدالة: اختلف مفهوم العدالة في التشريعات والأزمنة المختلفة ولم يحدد مفهوما ثابتا فنجد:
عرفتالعدالة في الشريعة الإسلامية تحت اسم الرأي، والرأي لغويا هو العقل والتدبير، وفى الاصطلاح: ما يكشف عنه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الإمارات، وهنا يترادف الرأي مع العدالة باعتبارها أعمال العقل في تحرى الصواب لتحقيق المنفعة وتحقيق مقاصد الشرع( ) - والرأي باعتباره مظهرا للأخذ بالعدالة في الشريعة الإسلامية يختلف عن العدالة كوسيلة لتطور القانون الروماني والإنجليزي، اختلاف زمني في أن الاجتهاد بالرأي يظهر جنب إلى جنب مع القرآن والسنة واستند إليهما وتحقق التجانس بينهم، كما يختلف أيضا فيما يتعلق بمصدر العدالة، ففي القانون الروماني يوجد في مذهب القانون الطبيعي الإغريقي الأصل، أما الشريعة الإسلامية فمصدر الرأي أو العدالة هو مايرشدإليه العقل الصائب ( ).
مفهوم العدالة عند افلاطون
العدالة عند افلاطون هي فضيلة أخلاقية فهي تقوم في مضمونها ضمن الفضائل الاجتماعية فيجب أن يلتزم بها الفرد في علاقاته وسلوكه مع المجتمع كما يجب أن تحترمها الدولة، فالعدالة لدى أفلاطون ليست لها مدلول قانوني وليس لها علاقة بالحقوق والواجبات والتي يلتزم بها الأفراد أو تضع العدالة إطارا لهذا الالتزام يتمثل في الجزاء المادي الذي توقعه السلطة العامة، ويمكن القول إن العدالة إن كانت عند أفلاطون لها مدلول أخلاقي إلا أنها ليست مجردة من المفهوم القانوني، فهي تعتبر في تصور أفلاطون بمثابة القاعدة الدستورية تشكل نظام الدولة بتقسيماته وأن يلتزم الحاكم الفيلسوف بمراعاة مفهوم العدل، كما أنها تضع من القيود ما يجب مراعاته عند تنظيم العلاقات الاجتماعية.
مفهوم العدالة عند أرسطو: تتلخص العدالة عندأرسطو:
 العدالة العامة: احترام القوانين والتشريعات الفاضلة بشرط أن تكون عادلة( )
 العدالة الخاصة: أن يتمتع الإنسان بالفضيلة في علاقاته بأفراد المجتمع
كما رأى أرسطو في تطبيق العدالة في مجال التجريم والعقاب حتمية تطبيق العدل التبادلي حيث يلزم التناسب بين الجريمة والعقاب.
والقانون الوضعي يرى أن لا قانون إلا الوضعيالذي مصدره الإرادة الإنسانية وينفي وجود أي حق سابق للتشريع، فالتشريع الوضعي هو الذي يقرر الحق وأن مفهوم القانون الوضعي لدى أنصاره هو قانونا منفصل عن الأخلاق، ويرتبط القانون فيه بعنصر الجزاء.
الوضعيون الجدد أسست نظريتهم في العدالة على مبدأ نسبية القيم، كما أنهم وهانز كلسن تشددت نظريتهم في الفصل بين القانون والأخلاق، فجاء تمييز كل سن بين القانون والأخلاق على أساس القاعدة القانونية وتوافر الجزاء متخذا المعيار الشكلي وهو شكل القاعدة القانونية.
هارت فقد جاء الفصل بين القانون والعدالة على أساس القاعدة الأخلاقية أخذا بمحتوى القواعد وهي الأخلاق.
أما مفهوم العدالة في فقه العقد الاجتماعي ـ تتلخص في أنها عدالة نفعية الهدف منها تحقيق مصالح الطبقة الحاكمة فهي عدالة ليست مطلقة بل هي تهدف إلى تحقيق النفع العاموهنا يظهر الفرق بين نظرية وجوهر العقد الاجتماعي في الإسلام ولدى فلاسفة الغرب، حيث إن الأول يرتب التزامات متساوية للحاكم والمحكوم وهنا إقرار الشريعة الإسلامية لمبادئ المساواة.
ثالثا: سمات العدالة في التشريعات المختلفة:
الحضارة الفرعونية: متقدمة
الحضارة العراقية: اتسمت بالتشدد
الشريعة الإسلامية: العمومية والشمول
الشريعة اليهودية طبقية
القانون الطبيعي من خصوصيات الغرب
فنجد أن
العدالة الفرعونية متقدمة: فقد عرف المصريون القدماء مبدأ العدالة السياسية والأخلاقية في كافة الأمور الحياتية، فقد طبق الملوك العدل القانوني مجردا على الشعب كافة، فكان النظام الطبقي نظاما شرفيا فقط، لم يكن نظاما قانونيا توزع فيه الحقوق السياسية والقانونية وفقا للامتيازات، ولم يعرف القانون المصري القديم نظام الرق الخاص، وإنما تمثلت كل أنظمة الرق في مصادر أجنبيه، فضلا عن ذلك الوضع القانوني للمرأة الذي لم تحتذِ به المرأة في أي نظام قانوني آخر.
وقد اتفقت مع اليهودية والعراقية على أن العدالة أحد النظم الإلهية وكان الملوك باعتبارهم مفوضين عن الآلهة هم المسئولون عن تحقيق تلك الغاية في أسمى صورها.( )
فنجد القانون المصري القديم قد رمز لتطبيق العدالة بالآلهة (معات) فهي إله العدالة، والقضاة والملوك كل يعمل جاهدا لتحقيق العدالة وفقا للمبادئالتي أشارت إليها ماعت إله العدالة لدى قدماء العصر الفرعوني فقد اعتبرالقدماء المصريون فكرة العدالة إله وأسموه معات وكان واجب على الملوك والقضاة تطبيق مبادئ العدالة ومن قصر في ذلك الواجب فكان حسابه عسير بعد موته أمام الآلهة ذلك بالرغم من اعتبار الفرعون لدى قدماء المصريين إلها على الأرض إلا أنه يسأل عن أفعاله وتحقيق العدل والمساواة في الآخرة وإلا كان مصيره جهنم.
أما القانون العراقي القديم فقد اتفق أيضا مع ما سبق في أن العدالة هي أحد النظم التي أنعمت بها الآلهة على المجتمعات المتحضرة وكان الملوك مفوضين عن الآلهة لنشر العدالة وإصدار القوانين والعمل على تنفيذها وإقامة العدل والإنصاف لإرضاء الآلهة، وتحقيق الأمن والاستقرار وهو ما نادى به الملك حمورابي بأن العدالة قادرة ولها الغلبة، وكانت من أهم التشريعات التي رسخت هذا المبدأ، فالعدالة لدى قدماء العراق تتجسد في روح القانون وأن من أهم ما يميز بلاد النهرين هو احترامها لأحكام القانون التي جاءت مدونة في عهد حمورابي وتميزت بقدر كبير من التقدم والرقي وقدر التقدم الذي وصلت إليه هذه الحضارة على المستوى التشريعي ومدى انعكاسه على الحياة الاجتماعية في بلاد النهرين.
أيضا القانون اليهودي القديم فهو كنظيريه السابقين كان للدين أثر واضح على تحقيق مبدأ العدالة وذلك وفقا لمراحل التطور المجتمعي الذي مر به بنو يهود، والذي كان له أثر واضح فقد كان ينظر إلى الأحكام القضائية على أنها صادرة من الآلهة ويتم نقل إرادة الآلهة بواسطة الكهنة أو القضاة بحسب التطور المجتمعي الذي مر به المجتمع اليهود.
إذن فقد اتفقت الثلاث شرائع على أن مبدأ العدالة هو غاية القانون وأن مصدرها هو الآلهة وفقا لتقارب الحضارات المجتمعية القديمة وذلك مع بعض الاختلافات حول التطبيق.
وقد اختلفت الحضارة الفرعونية مع نظيريها فنجد بعض المفارقات في التطبيق نظرا لاختلاف المجتمعات
1- نجد أن عدالة القانون العراقي (قانون حمورابي) هي عدالة طبقية كما أنها تتسم بقدر من القسوة وإن وجد مبرره في أن الملك حمورابي وضع تحت وطأته عدة دويلات تختلف كل منها في عاداتها وتقاليدها وكون منهم هذه الإمبراطورية، وكان لابد من شيء من القسوة في تشريعاته حتى تتحقق العدالة في صورتها الأقرب للغاية المرجوة منها.
أيضا نجد أن العدالة في شريعة حمورابي هي عدالة طبقية وكذلك الحال في الشريعة اليهودية.
ففي شريعة حمورابي العدالة طبقية في قوله ”إذا فقأ إنسان عين إنسان حرسوف تفقأ عينه وإذا كسر عظمه سوف يدفع مينا واحدا من الفضة”.
وأيضا في التوراة (سفر الخروج) أول شريعة نزلت على بنيإسرائيل تأمر التوراة موسى قائلة ”وإذا حصلت أذيه تعط نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل” هذا الحكم ينفذ بين الأحرار، وتأتي الجمل التالية من سفر الخروج لتفاجئنا قائلة ”وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين أمته فأتلفها يطلقه حرا عوضا عن عينه وإن أسقط سن عبده أو سن أمته يطلقه حرا عوضا عن سنه”، ولم تذكر التوراة استشارة صاحب الحق أو تخيره بين الحرية وبين فقء عين سيده.
أما فكرة العدالة في القانون الفرعوني فقد جاء في طياتها واجب العدل والمساواة الذي يقع على عاتق الملك أو الفرعون ولم يكن واجبا أخلاقيا وإنما كان واجبا دينيا أيضا، فالملك أو الفرعون بالرغم من النظر إليه باعتباره إلها إلا أنه كان مقيدا بتحقيق المساواة، وكان شأنه شأن باقي البشر في المجتمع الفرعوني يسأل عن أفعاله أمام قضاة الآخرة؛ ولذلك فقد كانت التشريعات في مصر الفرعونية تقوم على أساس المساواة بين الناس في نظر القانون تلك الفكرة التي ترسخت في ضمير المصريين حكاما أو محكومين وشاهد على ذلك كلمات الإله حورس أن العدالة ”قل العدالة، اصنع العدالة لأن العدالة قادرة، إنها عظيمة، إنها سرمدية”.
مبدأ العدالة والمرأة: قد أعطى القانون الفرعوني القديم الحق للمرأةأهلية الزواج والطلاق على قدم المساواة مع الرجل مع بعض وضع القيود، كما أعطاها الحرية الكاملة والأهلية القانونية في العديد من المجالات على قدم المساواة مع الرجل خاصة في العصور البدائية من المجتمع الفرعوني (وننوه هنا للذين ينادون بالمساواة وفقا للقوانين الغربية أن العصر الفرعوني هو أول من أبرز دور المرأة وحقوقها وإرساء مبادئ العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة فمنبع الحضارات كانت بدائيات الفراعنة).
ـ وهو ما اتفقت معه القانون العراقي القديم أما القانون اليهودي فهو حد من أهليتها بشكل ملحوظ خاصة في المجتمعات البدائية اليهودية والتي كان الزواج لديهم أمرا واجبا دون رضاء المرأة أو حتى الرجل حيث سيطرة رب الأسرة إلى أن ارتقت هذه النظرة وتغيرت، وأصبح للفتاه أهلية في تزويج نفسها وفقا للشروط والقيود وذلك مع التطور المجتمعي اليهودي كما رأينا.
وعن سمات العدالة في الشريعة الإسلامية
1- تعتبر العدالة هي الغاية العليا في الشريعة الإسلامية، وحولها تدور جميع أحكام الشريعة وتعاليمها، فالإسلام دين ودولة وقد أحدث تطورا خطيرا في المجتمع الجاهلي السابق عليه، وقد بنيت كل تعاليمه وأحكامه لتحقق مصالح العباد على النحو الذي يحقق العدالة.
2- العمومية والخلود لمبدأ العدالة في الإسلام، فالمساواة وإن كانت هي روح العدالة فهي تعني تطبيق القواعد القانونية على الحالات المتماثلة بين أصحاب المراكز القانونية الواحدة بما يضفي صفة العمومية، كما أن مبدأ المساواة في الإسلام اتسم بالخلود والاستمرارية على مر العصور لأن مصدر التشريع الإسلامي هو القرآن الكريم الذي وضع الخطوط العريضة والمبادئ العامة للعدالة والذي لا يتغير ولا يتم تحريفه، فضلا عن ذلك فقد قام الفقه الإسلامي بالاجتهادوالاستنباط من أحكام القرآن بما يتناسب مع تطور الحياة الاجتماعية وتوسيع نطاقه وإضافة مبادئ جديدة إليها.
سمات العدالة في المدارس الفلسفية
لدى المذاهب الفلسفية والإغريق: تمثلت العدالة لدى فلاسفة الإغريق في جانبين، جانب أخلاقي باعتبار العدالة فضيلة أخلاقية، وجانب قانوني باعتبار الفرد عضوا في جماعة يرتبط بأفراد آخرين توجد بينهم روابط ومعاملات متبادلة، ومن الضروري وجود قوانين تحكم هذه العلاقات وتحدد حقوق وواجبات كل فرد في الجماعة تجاه الآخرين، وعند الرومان متأثرين بفكر الإغريق وتبلورت فكرة العدالة لديهم في تحقيق المساواة وإعطاء كل ذي حق حقه.
العدالة كغاية للقانون
فكرة العدالة لدى أنصار القانون الطبيعي
اهتم الفلاسفة والفقهاء في كل العصور بمبادئ العدالة باعتبارها أهم قيم القانون ويعد أول المهتمين بنظرية العدالة هم فلاسفة الإغريق وأهمهم أفلاطون وأرسطو، وانتقلت فلسفتهم إلى النظم القانونية القديمة كالنظام الروماني وأيضا انتقلت فلسفة العدالة عند الإغريق إلى النظم القانونية الحديثة، وقد وجدت فكرة العدالة صداها في الأدب الإغريقي، فكان اصطلاح العدالة عند هومير يشير إلى الناس الفضلاء أو الأرستقراطيين، فالعدالة تشير إلى الأمير الفاضل الذي يحكم المدينة بالقوة العادلة أي قوة الحق.( )
ـ وقد أقر فلاسفة الإغريق أن القانون الطبيعي يهدف إلى تحقيق العدالة، بأن يضع كل شخص في المكان المناسب والعمل المناسب وإعطاء كل ذي حق حقه، وهو ما يستتبعه أن يسمو القانون الطبيعي على القانون الوضعي، فالأخير هو الذي يهدى العقل الإنساني إلى الأفكار لتنظيم العلاقات الاجتماعية لتحقيق العدالة.
العدالة كغاية للقانون عندالرومان
متأثرين بفلسفة العدالة عند الإغريق باعتبار العدالة غاية للقانون، إلا أن مفهوم القانون الطبيعي لدى الرومان قد تغير، ففي العصر العلمي كان مفهوم القانون الطبيعي لديهم يتقارب مع مفهوم أرسطو، في أن الطبيعة مجموعة من الحقائق المادية التي لا يمكن للقانون تجاهلها والمرتبطة بطبيعة الأشياء، ويستطيع الفقيه من ملاحظتها استنباط القواعد القانونية.
أما في عهد الإمبراطورية فقد تأثر الرومان بالمفهوم الرواقي الأخلاقي والذي أدخل بعض الأفكار الأخلاقية والدينية على الفكر الروماني.( )
ولدى أنصار العقد الاجتماعي حول فكرتين أساسيتين تدور التشريعات حول فحواها وهي الحق والعدل وإن اختلفت التشريعات والقوانين الطبيعية والوضعية في تفسير المبدأين إلا أنهم جميعا اتفقوا حول قيام العدالة على هاتين الفكرتين.
أما نظرية رولز فتقوم على فكرة الربط بين العدالة والمنفعة، وفى فلسفة رولز لا تعد العدالة فضيلة أخلاقية بل إنها فكرة سياسية تنمو في ظل المجتمع الديمقراطي( )
وفى المقارنة بين فلسفة العدالة لدى جون رولز وبين مبادئ العدالة في الإسلام فنجد بساطة وسلاسة المفاهيم لدى الإسلام عن قوانين العقد الاجتماعي.
كما نجد توافقا بين نظرية أرسطو عن الإنصاف وبين الاجتهاد العقلي والأخذ بروح القانون في الإسلام، حيث تتفق نظرية الإنصاف مع فكر الاجتهاد الذي أقرت به الشريعة الإسلامية – كما أوكلت للقضاء إعمال العقل وتحقيق العدل فيما بين ما أمر به القانون الطبيعي ”القرآن الكريم” وبين التشريعات التي تعارضها يكون الرجوع لفكرة القانون الطبيعي.
دور القانون الطبيعي في إرساء مبادئ العدالة في مصر:
القانون الطبيعي وقواعد العدالة من خصوصية الفكر الغربي وقد تأثرت مصر والعالم العربي في القرن التاسع بفلسفة القانون الطبيعي وذلك نتيجة لتغريب النظم القانونية العربية والإسلامية، حيث دخلت فكرة القانون الطبيعي من ضمن الأفكار القانونية التي دخلت مصر، إذ بالإضافة إلى التشريع والعرف والشريعة الإسلامية تم الأخذ بفكرة القانون الطبيعي وقواعد العدالة كمصدر للقانون يأخذ به القاضي إذا لم تسعفه المصادر الأخرى.
وقد تبنى القانون المدني المختلط في القرن التاسع عشر الفكرة الفلسفية للقانون الطبيعي والتي كانت مسيطرة في ذلك الوقت على القانون الفرنسي، فقد نصت المادة 43 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة ”يجب على المحاكم المختلطة في المواد المدنية التي من اختصاصها وفى المواد الجنائية التي حصل التراضي على اختصاصها أن تتبع نصوص المواد المقدمة إلى الدول من طرف الحكومة المصرية، وإذا لم يوجد في القانون نص صريح أو كان غير كاف، تحكم المحاكم بما فيه تقتضيه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة”.
ـ أما القانون المدني الأهلي فقد تراجع المشرع المصري عن فكرة القانون الطبيعي ولكنه اكتفى بالنص على مبادئ العدل كمصدر يلجأ إليه القاضي في حالة وجود نقص في التشريع. ويرجع بعض الفقه ذلك التراجع تحت تأثير فلسفة المدرسة التاريخية التي نادت بأن القانون كاللغة يختلف من بلد لأخرى ومن وقت لآخر.
هذا وقد لعبت مبادئ العدالة دورا هاما في القانون المصري قبل صدور التقنين المدني الحالي في عهد القضاء المختلط والقضاء الأهلي لسد بشوبهم من قصور، مما دفع القضاء للالتجاء إلى الحكم بمقتضى قواعد العدالة لسد النقص التشريعي، كما أمد القضاء حمايته للعديد من النزاعات التي لم تكن محل تنظيم في كل من التشريع الأهلي أو القانون المختلط، وهو ما أقرته محكمة الاستئناف الأهلية في حكمها الصادر بتاريخ 4/9/1931 والذي جاء فيه: ” أولا: إنه وإن كان من المقرر احترام العقود باعتبارها قانون المتعاقدين مادامت لم يصبح تنفيذها مستحيلا استحالة مطلقة كحادث قهري، إلا أنه يجب أن يكون ذلك مقيدا بمقتضيات العدالة وروح الإنصاف، فإذا طرأت عند التنفيذ ظروف لم تكن في حسبان المتعاقدين وقت التعاقد كان من شأنها تؤثر على حقوق وواجبات الطرفين بحيث تخل بتوازنهما في العقد إخلالا خطيرا، وتجعل التنفيذ مرهقا لدرجة لم يكن يتوقعها بحال من الأحول، فإنه يكون من الظلم احترام العقد في هذه الظروف، ويجب عدلا العمل على مساعدة المدين وإنقاذه من الخراب ( ) ”
ثالثا: أن الروح التي أملت نظرية الإثراء بلا سبب مشروع ونظرية الإفراط في استعمال الحق مع عدم وجود نصوص في القانون خاصة بها هي نفسها التي تملي نظرية احترام الظروف الطارئة التي لم يكن يتوقعها المتعاقدان وقت التعاقد.
ووفقا لهذا فقد أقرت المحكمة بنظرية الظروف الطارئة، وأسست هذه النظرية على فكرة العدالة والإنصاف، بل وأقامت قياسا منطقيا للاستدلال على حكم أثر الظروف الطارئة للعقد، عن طريق القياس بين أساس تقرير مبدأ عدم جواز الإثراء على حساب الغير ونظرية التعسف في استعمال الحق ونظرية الظروف الطارئة، وعلى أساس هذا القياس استدلت على حكم أثر الظروف الطارئة على العقد، حيث رأت أن إعمال العدالة يوجب عدم الالتزام بتنفيذ العقد، كما أوجبت العدالة مبدأ عدم جواز الإثراء على حساب الغير بلا سبب، وعدم جواز التعسف في استعمال الحق.
ـ وعلى صعيد آخر جاء القانون المدني الحالي بالعديد من الأحكام التي تستند أساسا على فكرة العدالة التبادلية أو التصحيحية ومنها:
ـ نظرية المسئولية التقصيرية: وقد نص عليها في المادة 163 كالآتي: ”كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”، وهذا النص في حقيقته يعتبر تجسيدا لمبدأ العدالة التبادلية أو التصحيحية، فتقتضي العدالة التصحيحية إلزام من أضر بالغير بتعويضه عما أصابه من ضرر.
ـ مبدأ عدم جواز الإثراء على حساب الغير: يعد هذا المبدأ القاعدة الأساسية التي بنيت على أساس فكرة العدالة التصحيحية، وقد اعترف الرومان بذلك صراحة، فيقول الفقيه بومبونيوس ”من العدل طبقا للقانون الطبيعي ألا يثرى شخص على حساب آخر إثراء غير مشروع”.( )
ـ نظرية إعادة التوازن المالي في العلاقات التعاقدية تطبيقا لمبدأ العدالة التصحيحية وتستند عليه في القانون المدني، فإذا كان الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا بالاتفاق، وهذه القاعدة أساسها العدالة الشكلية أو العدالة طبقا للقانون التي يفرضها تحقيق الثبات والاستقرار في المراكز القانونية، إلا أنه في بعض الحالات يصبح تطبيق العدل المجرد مؤديا إلى ظلم، مثال حالة حدوث اختلال جسيم في التوازن المالي لأطراف العقد، ففي هذه الحالة استنادا إلى مبادئ العدالة التصحيحية التبادلية يتم إجازة إعادة التوازن المالي للعقد والخروج على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. ( )
ـ نظرية الظروف الطارئة التي تستند إلى مبدأ العدالة التبادلية قد أقرها القضاء المصري في ظل القانونين المختلط والأهلي وأسس أحكامه استنادا على مبدأ العدالة، وقد أفرد لها نص الفقرة الثانية من المادة 147 والتي جاء فيها ”ومع ذلك فإذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقد، وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، فهذه النظرية تصلح التوازن المالي بين المتعاقدين عن طريق الأخذ بيد المتعاقد الضعيف أثناء تنفيذ العقد”.
ـ وفي القانون الإداري تجد نظرية إعادة التوازن المالي في العلاقات التعاقدية مجالها، حيث يتقرر إعادة التوازن المالي في العقد الإدارياستنادا إلى مبادئ العدالة التبادلية، فيجب أن تكون مستحقات المتعاقد مع الإدارة متوازنة مع أعبائه، وعلى ذلك فإذا طرأت بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه ظروف لم تكن متوقعة عند إبرامه وتؤدي إلى زيادة أعباء المتعاقد مع الإدارة بدرجة مرهقة، فإنه يجب مساعدته في تحمل تلك الأعباء الجديدة وتعويضه عما لحقه من خسائر نتيجة تلك الظروف بحيث يتم تصحيح الاختلال في التوازن المالي للعقد.
وقد ترجمت نظرية إعادة التوازن المالي في نطاق القانون الإداري في أمرين:
1- نظرية الظروف الطارئة والتي تطرأ حوادث استثنائية لم يكن في الوسع توقعها أثناء تنفيذ العقد تجعل تنفيذه مرهقا بدرجة كبيرة، فهنا يجب على الإدارة تحقيق التوازن المالي للعقد استنادا إلى فكرة العدالة التبادلية أو التصحيحية، فتقوم بتعويض المتعاقد بالقدر الذي يسمح له بالاستمرار في تنفيذ التزاماته.
2- نظرية عمل الأمير: فهي تواجه حالة الإجراءات التي تصدر من الإدارة المتعاقدة وتؤدي إلى زيادة أعباء المتعاقد عما تم الاتفاق عليه مما يهدده بخسارة فادحة. فهنا يجب على الإدارة تعويض المتعاقد بما يعيد التوازن المالي للعقد. ( )
وقد جعل القانون المصري الحديث العدالة مصدرا رسميا واحتياطيا للقانون، فقد ورد في نص المادة الأولى الفقرة 2 من القانون المدني الحالي ”فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف فإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة”. إذن فالعدالة تمثل المصدر الأخير من مصادر القانون المصري فإن لم يجد القاضي حلا للنزاع المعروض عليه في النص التشريعي أو العرف أو الشريعة الإسلامية، فإن عليه اللجوء لمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
دور العدالة في نظم القانون الخاص
القانون الروماني أقر بقواعد القرابة الطبيعية والعدول عن القرابة المبنية على الخضوع، أي أن ما يخضع لرب الأسرة وتحت سيطرته دون القرابة الطبيعية، والتي عليها عدم الاعتداد بالأفراد التي يخرجهم رب الأسرة من سلطته في المعاملات سواء البيع والزواج وغيرها، ويتم التعامل مع من يخضعه رب الأسرة لسلطته حتى لو لم يكن من الأقارب الطبيعيين، ويتنافى ذلك مع قواعد العدالة، وعليه فقد أقر القانون الروماني تأثرا بالعدالة الاعتراف بالقرابة الطبيعية على أساس الدم. ( )
كما طبقت النظم القانونية اليهودية وخاصة في مجال الأحوال الشخصية بالنسبة للقانون المصري وذلك باعتبار القانون المصري من النظم المركبة( )، والتي تتعدد فيها الشرائع الواجبة التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية باعتبار الديانة، وقد نص القانون رقم 462 لسنة 1955 والخاص بتوحيد جهات القضاء بالنسبة للأحوال الشخصية للمصريين على أن ”تطبق على المصريين غير المسلمين في كل ما يتعلق بروابط الأسرة من خطبة وزواج وطلاق. . . . إلخ شريعتهم الخاصة بهم إذا توافرت شروط تطبيقها، فإن تخلف أحد شروط تطبيقها امتنع أن تحكم النزاع أي شريعة خاصة، وكان لا مفر من تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها الأصل العام في مسائل الأحوال الشخصية، وعليه فإذا توافرت شروط تطبيق الشريعة اليهودية وجب على القاضي تطبيق أحكامها على المتنازعين.
أحكام الطلاق: تم إلغاء تضمين المصريين عقود الزواج لشروط الحد من حرية الطلاق وذلك تأثرا بالقانون الروماني، بعد أن أصبح القانون الروماني هو المطبق على المصريين، ثم تطور مبدأ حرية الطلاق في مصر تحت تأثير تعاليم المسيحية اعتبارها الديانة الرسمية للإمبراطور، وقد صدرت العديد من المراسيم التي تقيد حرية الطلاق، منها مرسوم الإمبراطور قسطنطين سنة 321م، الذي قرر حالات معينة يسمح فيها للزوج أن يطلق زوجته، كما قرر حالات تبيح للزوجة أن تطلق زوجها، أيضا مرسوم جستنيان الذي حدد فيه أحكام الطلاق، وقد طبقت كافة هذه الأحكام المقيدة لحرية الطلاق في مصر. ( )
وقد اعطت الشريعة الإسلامية الحق للمرأة التي كرهت على الحياة مع زوجها أن تفتدي نفسها بمبلغ من المال تقدمه لزوجها وهو ما يعرف حديثا بنظام الخلع، كما أعطى لها الحق أن تلجأ للقاضي المختص لطلب التطليق.
الميراث: أثر النظام القانون المصري في القانون الروماني في نظام الميراث حيث أقر القانون الروماني بحق الوارث الاحتمالي في الاعتراض على تصرفات مورثه الناقلة للملكية، كما تحرر القانون الروماني من الشكلية التي قيدته في انتقال التركة إلى الوارث، وهذا الأمر كان يخالف أحكام القانون المصريالذي أقر بقبول الوارث للتركة بمجرد الإعلان دون اشتراط حضور شهود أو أية إجراءات شكلية كان يشترطها القانون الروماني، أيضا تأثر القانون الروماني بالقانون المصري في شأن تحديد مسئولية الوارث عن ديون مورثه، فأقر القانون الروماني مبدأ مسئولية الوارث المحدودة، فلم يعد الوارث يسأل عن ديون التركة إلا بقدر ما تحتوى عليه من حقوق. ( )
أهم مظاهر العدالة في النظم القانونية والتشريعات المختلفة
1- مبدأ القصاص:
القانون المصري القديم: طبق القانون الفرعوني مبدأ القصاص، وقد فرق بين جرائم القتل العمدي والقتل الخطأ، حيث كان المشرع المصري الفرعوني يعاقب مرتكبي جريمة القتل العمد بالإعدام طالما القتل وقع عمدا، وذلك بصرف النظر عن الطبقة التي ينتمي إليها الجاني أو للمجني عليه ودون تفرقة، فالعقوبة واحدة. ( )
أما القتل غير العمدي فإن العقوبة ليست الإعدام وإنما كانت عقوبة أخرى لم يتم الإشارة عنها صراحة في الوثائق وهي عقوبة في صورة الدية تدفع لأهل المجني عليه، وقد تم الاستدلال عن هذه العقوبة في وثيقة ترجع إلى عصر الدولة القديمة تبين أن من يقتل آخرين دون قصد كان لا يستطيع أن يدخل منزله إلا بعد أن يطهر نفسه من الإثم الذي ارتكبه بأن يقدم قربانا لمقبرة المجني عليه، ومن هذه الوثيقة استنتج الباحثون أن يتم التصالح المصحوب بترضية أهل المجني عليه( ).
وتعتبر الشريعة اليهودية من أبرز الشرائع التي أخذت بمبدأ ضرورة عقاب الفعل بنظيره، وقد ورد بالتوراة ” نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل وجرحا بجرح”.
أما القصاص في القانون العراقي القديم
أقر قانون حمورابي مبدأ القصاص، فقد أقر مبدأ العين بالعين والسن بالسن، ولم يقف عند هذا الحد بل امتد بقدر من التعسف فقرر مثلا أن المهندس الذي قام ببناء منزل وانهار مسببا موت صاحب العقار، فهنا يقرر موت المهندس، وإن تسبب في موت ابن صاحب العقار فإنه يقرر قتل ابن هذا المهندس، مما يدل على مدى تعسف هذا القانون. ( )
أيضا كانت العدالة طبقية إلى حد ما فتختلف العقوبة باختلاف الطبقة التيينتمي إليها المجني عليه فمثلا إذا كان الاعتداء ينتج عنه كسر، فالقصاص يطبق ما إذا كان من الأحرار طبقا لشريعة حمورابي، وإن كان المجني عليه من الطبقة الوسطى كانت غرامة، وإذا كان من العبيد كانت العقوبة تعادل نصف ثمن العبد.
أما الشريعة الإسلامية: فقد اعتنقت مبدأ القصاص في قوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖالْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ”، وفى قوله تعالى ”وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، كما تجيز الشريعة الإسلامية لولي المقتول في القتل العمد أن يأخذ بالقصاص أو يقبل الدية، كما أقرت الشريعة الإسلامية الدية وذلك في قوله تعالى ”ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ إلّا أنْ يَصَّدَّقُوا”.
وبالنسبة القانون الروماني: فقد أخذت بمبدأ القصاص بصفة عامة وقد أقرت بجواز التصالح بين الطرفين على مبلغ من المال كتعويض للاعتداء بدلا من القصاص إذا اتفق الطرفان على ذلك، وقد أخذ الإغريق بمبدأ القصاص لفترة طويلة من الزمن ( )
ـ هذا وإعمالا لقواعد العدالة استمرت تلك العقوبات، وقد نص قانون العقوبات المصري الحالي على عقوبة الإعدام في المادة 234 على أن ”من قتل نفسا عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد”.
2- مبدأ المساواة
أتى الإسلام بتحقيق أروع صور المساواة، فيما يلي:
1- إرساء المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، وهو يختلف عن النظم القانونية التي تقوم على التفرقة العنصرية بين مواطنيها والأقليات.
2- المساواة أمام القضاء، وقد رسخ روح الطمأنينة لدى المسلمين للقضاء الذي هو الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة بين البشر، فالقضاء في الإسلام لم يعد مبدأ نظريا وإنما يعتبر مظهرا رائعا من مظاهر المساواة سبق كل الحضارات ولم تشهدهأية حضارة مهما كان تقدمها.
3- المساواة بين الرجل والمرأة فى الإسلام وقد سبق كل النظم الحديثة بعكس ما يبثه الغرب في روح الشعوب وإن وجدت تفرقة ماهي إلا تفرقة نسبية الباعث منها هو تكريم المرأة وحفظ كرامتها وصونها، ومنهاحق الميراث: لم يحجب الإسلام المرأة من الميراث ولم يميز الرجل عنها بل بالعكس أن التمييز كان للمرأة كما رأينا فقد جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى الصعيد الآخر فقد فرض على الرجل النفقة على أخته وزوجته وابنته، إذن فالمرأة تحتفظ بأموالها لنفسها وهي مسئولة من الرجل في نفقتها، فضلا عن الحقوق المدنية وتولي الوظائف العامة.
4- قانون العمل: يضع الإسلام قواعد للعمل تحقق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وهو أن يتقن العامل عمله ويقوم به على أكمل وجه وفى المقابل يلتزم صاحب العمل بأداء الأجر دون تقاعس أو تأجيل. وهي المعادلة التي تقوم بها قوانين العمل الحديثة في القوانين واللوائح الداخلية وهو شاهد آخر على أن الرسول كان يدير شئون المسلمين دينا ودولة كما ذكرنا سالفا، وسبق الإسلام كافة القوانين واللوائح القانونية في إدارة شئون البلاد.
5- إدارة الشئون الاقتصادية بما يحقق مبدأ العدالة في الإسلام وقد رأينا ذلك في المساواة سواء في فرض الزكاة وأحكامها السالفة، وفى توزيع العطايا من بيت مال المسلمين دون تفرقة بين مسلم أو ذمي، ودون تفرقة بين وضيع وشريف.
المساواة في القانون الروماني
ساهمت العدالة بشكل كبير في تطور القانون الروماني إذ كان سائدا مبدأ التمييز بين الرومان وغيرهم، وصور التمييز بصفة عامة في المجتمع الروماني حيث كان يتم التمييز بين الأحرار والعبيد وبين أشراف وعامة وغيرها، وقد تأثر المجتمع الروماني بقواعد العدالة فقام بإلغاء أشكال التمييز أو التقليل منها، فقد منح للأجانب حق التملك والتقاضي، كما منح للعامة حق الزواج من الأشراف وأعطاهم الحق في تولي مناصب الحكام.
تأثر القانون المصري بالقانون الروماني في مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحق في طلب الطلاق وفى إلغاء الشروط المقيدة للحق في طلب الطلاق والتي كان يتضمنها عقد الزواج.