Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
أصداء العناية الإلهية “De Providentia” لسينيكا في أعمال مانزوني /
المؤلف
عبدالجواد، عبدالوهاب إبراهيم.
هيئة الاعداد
باحث / عبدالوهاب إبراهيم عبدالجواد
مشرف / فايز يوسف محمد
مشرف / أنور بهنسي محمد
مشرف / أحمد حمدي المتولي
تاريخ النشر
2018.
عدد الصفحات
240ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
19/9/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - قسم الحضارة الأوروبية القديمة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 240

from 240

المستخلص

الاعتقاد في الآلهة والإيمان بوجودها وبقدرتها على التدخل أو إدارة شؤون البشر، هي معتقدات تستحق البحث، كيف نشأت وتطورت تلك المعتقدات التي أنكرها البعض، وآمن بها البعض. كذلك الإيمان بالعناية الإلهية على الرغم من تلك المحن التي تصيب الصالحين من البشر، وليس السيئين. كيف للمرء أن يواجه وأن يتغلب على تلك المحن بثبات وثقة في الإله كي يحيا في سعادة، وكي يصل إلى الفضيلة التي يتوق إليها العقل السليم.
وحيث إن الدين على مر الأزمان يلعب دورًا مهمًا في حياة الأفراد، ودائمًا ما يكون الإنسان بحاجة إلى قوة عليا يستكين إليها، تهديه وتقود خطاه، فإن مسألة العناية الإلهية حاضرة منذ أن تبلورت في عقل الإنسان المعتقدات الدينية، فهي من وجهة النظر التاريخية موضوع قديم كقدم العالم، وجد منذ أن نشأت تلك المعضلات والخلافات في العلاقة بين الإله –أو الآلهة- وبين البشر، وإن لم تُذكر صراحة في النصوص فإنه يشار إليها في إشارات سريعة. وعلى هذا فعنوان البحث هو:
أصداء العناية الإلهية “De Providentia” لسينيكا في أعمال مانزوني
في هذه الأطروحة يمكن الوقوف، من خلال الدراسة المقارنة، على أصداء العناية الإلهية لسينيكا في أعمال أليساندرو مانزوني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عمل سينيكا ”عن العناية الإلهية” كان بمثابة التفسير والشرح لبعض المبادئ الرواقية الغامضة التي دعت الحاجة إلى إبرازها وإظهارها بدافع من حرص سينيكا على إرشاد الآخرين وعلى رأسهم صديقه لوكيليوس، وبدافع من حرصه أيضًا على نشر هذه التعاليم الرواقية. وكان لهذا العمل أهمية كبيرة من حيث إنه يُجيب عن تساؤل لماذا تحدث شرور كثيرة للرجال الصالحين مع أن الكون يُدار بالعناية الإلهية؟ ويوضح أيضًا كيف أن عناية الإله تشمل الكون والبشر، وكيف أن الشرور والمحن والمعاناة تعود بالنفع على من تقع لهم. وأن الأبطال الحقيقيين هم من يَعْبَقُون برائحة الأبطال ويتحلون بصفة الشجاعة والتحمل في مواجهة الشدائد وهم على ثقة كبيرة في مساندة الإله ودعمه.
يتمتع الشاعر والروائي الإيطالي أليساندرو مانزوني بمكانة مرموقة في نفوس الإيطاليين لما قدمه من أعمال يخلدها له التاريخ، فضلًا عن دوره في توحيد اللغة الإيطالية عام 1868م. ومن بين أعمال مانزوني تأتي روايته الشهيرة ”الخطيبان “I Promessi Sposi كي تلقي بظلالها على مفهوم العناية الإلهية الذي طرحه سينيكا من قبل في عمله “De Providentia”. بالإضافة إلى أن رواية ”الخطيبان” لمانزوني تُعد أحد أبرز أعماله ذائعة الصيت التي تركت مكانة في نفوس الإيطاليين حتى يومنا هذا. ومن خلال أعمال مانزوني المختلفة يمكن أن نتلمس مراحل تطور مفهوم العناية الإلهية لديه، وكذلك الوقوف على أصداء أفكار سينيكا الفلسفية مُجَسَدة في مشاهدة حية وواقعية من الأبطال سواء أكانوا ملوكًا أم بسطاء.
ترجع أهمية البحث العلمية في تناول كاتبين كبيرين عاشا في عصرين مختلفين وفي ظروف مختلفة، بينهما الكثير من الروابط أبرزها الوازع الأخلاقي الذي حثهما على تعليم الآخرين وإرشادهم إلي ما فيه النفع والصلاح. بالإضافة إلى أن العناية الإلهية وقضية المعاناة التي تصيب الصالحين كانت ولا تزال ملموسة في واقعنا المعاصر، وربما يطرح البعض في هذه الآونة التساؤل ذاته الذي طرحه سينيكا وجَسَّده مانزوني منذ قرون.
يتضمن البحث مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وجاء على النحو التالي:
الفصل الأول بعنوان: مصادر العناية الإلهية في الفكر اللاتيني والإيطالي. وينقسم بدوره إلى مبحثين: المبحث الأول بعنوان: العناية الإلهية فيما قبل سينيكا، وقد تقصى الباحث في هذا المبحث الإرهاصات الأولى لمسألة العناية الإلهية التي يمكن أن نتلمسها في ديانات مصر الفرعونية، وفي التراث العبراني، وفي ”الميثولوجيا” اليونانية، بالإضافة إلى صداها لدى فلاسفة الإغريق (سقراط، أفلاطون، أرسطو). كما تناول هذا المبحث الخلاف بين المدرسة الرواقية التي تعتبر العناية الإلهية أحد أهم سماتها، وبين المدرسة الإبيقورية التي أنكرت وجود العناية الإلهية وقالت بأنها وهم من الأوهام. وكان خريسيبوس هو أول من كتب عن العناية الإلهية في القرن الثالث قبل الميلاد. وقد ألقى هذا المبحث الضوء على مفهوم العناية الإلهية في الفكر اللاتيني وبخاصة لدى كاتبين عظيمين وهما (شيشرون، وفيرجيليوس). جاء المبحث الثاني بعنوان: العناية الإلهية فيما قبل مانزوني، وقد تطرق للحديث عن مفهوم العناية الإلهية لدى كل من (القديس أوغسطين، القديس توما الأكويني، دانتى أليجييرى). وقد بَيًّنَ القديس أوغسطين أن المحورين اللذين يسمحان للنفس العبور إلى الإيمان هما: أن الرب موجود، وأن الرب راعٍ وحامٍ. وقال توما الأكويني أن من صفات الرب: العلم والإرادة والقدرة والعناية، وأن عنايته تشمل الجميع. وأن العناية الإلهية التي يحكم بها الرب الكون لا تمحو التعارض في الأشياء كالفساد والعيوب والشر، وأن الشر في حد ذاته هو غياب الخير. ويؤكد دانتى أن العناية الإلهية تعتني بالجميع، وتهتم بأن ترسل على الأرض ما يلزم كي يعمل المجتمع على نحو الكمال. وهي في هذا لا تفرق بين بيت الغني وبيت الفقير.
الفصل الثاني بعنوان: ماهية العناية الإلهية عند سينيكا ومانزوني. وينقسم إلى مبحثين: المبحث الأول بعنوان: العناية الإلهية عند سينيكا، وقد أشار سينيكا إلى العناية الإلهية بشكل سريع في أعمال سابقة مثل عمل ”المسائل الطبيعية”، و”فيدرا”. يعالج عمل سينيكا ”عن العناية الإلهية De Providentia” بالأساس قضية العدالة الإلهية في تساؤل لماذا تحدث شرور كثيرة للرجال الصالحين مع أن الكون يُدار بالعناية الإلهية؟ وقد آمن سينيكا بالآلهة وبعنايتها وقام بدور المدافع عنهم. وقد أوضح سينيكا المعنى الرواقي للعناية الإلهية وعَرَّفَها بأنها القدر ووصفها بأنها الضرورة الحتمية لكل الأشياء والأفعال، وليس هناك أي قوة يمكنها أن تصمد أمام تلك الضرورة أو أن تقهرها، وأن هذا العالم لا يمكن أن يكون خاليًا من حامٍ له. جاء المبحث الثاني بعنوان: العناية الإلهية عند مانزوني، سَعَى مانزوني من خلال أعماله الشعرية والتراجيدية والروائية، وكرجل مسيحي إلى تلمس دور العناية الإلهية في الأحداث البشرية والحياة الدنيوية، وقد خًلُص إلى أن هناك عناية إلهية، لكنها تتجلى عبر طرق غامضة، لا يمكن التنبؤ بها، ويصعب على الإنسان فهمها. كما أن كل شخصية لها مطلق الحرية في الاختيار بين فعل الخير أو فعل الشر، بين الإيمان وعدم الإيمان. ولذلك كانت الشخصيات هي التي تحدد مصيرها بناءً علي اختياراتها المسئولة، وأن مَن يتفاعل في الأحداث وفقًا لإيمانه كمسيحي يمكنه إذن أن يخلق تدخلًا للعناية الإلهية، وأن التدخل الإلهي يندمج مع ضمير الإنسان وسريرته.
الفصل الثالث بعنوان: الخير والشر والمعاناة من منظور العناية الإلهية، وينقسم إلى أربعة مباحث: المبحث الأول بعنوان: الخير والشر عند سينيكا، وقد مَيز سينيكا بين الشر الحقيقي الداخلي الذي يقع في النفس، وهو الشر الأخلاقي. وبين نوعين من الشر المزيف الخارجي الذي يقع في البيئة المحيطة بالإنسان وهما: النوع الأول: الشر المزيف الخارجي الذي يبدو في ظاهره خير، وهو متمثل في ”الثروة أو الغني”. النوع الثاني: الشر المزيف الخارجي الذي يبدو وكأنه شر، وهو متمثل في فقدان الأبناء والنفي خارج الوطن والموت. وأوضح أنه لا يمكن أن يقع أي شر للرجل الصالح، إذْ لا يمكن أن تختلط الأشياء المتضادة. وأن تحمل الشرور يمنح الرجل الصالح الفرصة لتعليم الآخرين قوة التحمل، أي أن يكون مثلًا يحتذى به في التحمل والصبر. ويوضح سينيكا كيف أن الشرور ليست كما تبدو لنا في ظاهرها، فيقول إن ما تسميه قسوة، أو محنًا بغيضة، هي في المقام الأول منفعة لمن تحدث إليهم، ومن ثم هي كذلك منفعة لجميع البشر، لهؤلاء الذين يبدون اهتمامًا بالآلهة عن باقي الأفراد الآخرين، وأن هذه الشرور تقع بناءً على رغبتهم فيها، كما أنها تحدث وفقًا للقدر وبفضل القانون ذاته الذي جعل الصالحين على هذا الحال من الصلاح. وقد تكفل الإله بحماية الصالحين من الشر الحقيقي وهو الشر الأخلاقي المتمثل في المطامع والنوايا السيئة الجشعة، فضلًا عن أن الرجل الصالح يحتقر الشرور والمحن ولا يلقي لها بالًا، لأنه يحيا وفقًا للمبادئ الرواقية التي منها άδιάφορα ، أي اللامبالاة بالأشياء. وجاء المبحث الثاني بعنوان: المعاناة عند سينيكا، يشرح سينيكا ما يخفى خلف طبيعة المعاناة ولماذا ينبغي على الرواقي أن يتحمل المحن. فيقول ينبغي أن نعلم جيدًا أن الإله لن يُبقي على الرجل الحكيم الصالح وسط المتع والنعيم، بل سوف يضعه في اختبارات عديدة، سوف يمتحنه، وسوف يُعده من أجل نفسه. كما يجعل الإله من المحن والمعاناة اختبارًا للصالحين من خلاله تقوى عزيمتهم ويتجهزون بذلك أمام معتركات الحياة ليصلوا في النهاية إلى منزلة الفضيلة. وأوضح سينيكا أن هناك علاقة صداقة وأبوة بين الإله وبين الرجل الصالح. جاء المبحث الثالث بعنوان: الخير والشر عند مانزوني، وقد تحدث مانزوني عن الشر على أنه نتاج العقل البشري، ويأخذ الشر في أشعاره شكل المصيبة أو البلية، وأن الثقة في الإله كفيلة أن تعيد السكينة والهدوء إلى النفس. وبينما يصل الصالحون عند سينيكا إلى تقبل الأقدار ومناشدة الإله الإفصاح عن نواياها، كما هو حال ديمتريوس، نجد صدى هذا في مناجاة بطل مانزوني كارمانيولا الذي طلب من الإله أن يكشف عن قلبه، ويبين له إن كان مذنبًا في ظل هذه المحن التي حلت به، ولقد تقبل أيضًا بنفس راضية مشيئة الإله. ومن ثم يتفق الكاتبان على تجسيد مفهوم ” في الشر يكمن الخيرLa provvida sventura “. جاء المبحث الرابع بعنوان: المعاناة عند مانزوني، تحدث مانزوني في عمله ”ملاحظات حول الأخلاق الكاثوليكية Osservazioni sulla morale cattolica ”، عن أن الآلام من الممكن أن تحمل تأثيرًا ومنفعة إيجابية بالإضافة إلى أنها تُطهر النفوس. كما أنه ليس هناك وجود لقوة غامضة تنثر الشر في العالم، وأن المحن التي تواجه الإنسان ما هي إلا تقويم من الإله. وأن من يتحملها بصبر يتذوق حلاوة العيش في نقاء وكرامة، مدركًا أن هذه المحن كفارة له عن أخطائه. وأن من يستحق السلوى، هي تلك النفس التي تعترف بوجوب المعاناة، بل إنها مع إدراكها للخير الذي تحمله المعاناة تتمنى وتحب وجودها، لأنها تطهير لها حتى تكون على الصورة المُثلى التي أرداها الإله. وهنا يمكن توضيح التوافق بين سينيكا ومانزوني على أن الشرور والمحن تحدث لمنفعة من تقع لهم. بل ،نها تحدث بناءً على رغبتهم. وأن الصالحين قد يصلون إلى منزلة حب المحن وتمنى وجودها. وفي هذا تشابه كبير وتجسيد من مانزوني لما قاله ديمتريوس في طلبه من الآلهة أن تفصح له عن نواياها حتى يبادر هو إلى فعل هذه الأشياء قبل أن تُلزمه بها. وقد اتفق الكاتبان على القول بأن هناك علاقة أبوة بين الإله وبين الصالحين من البشر، وأن الإله عادل في كل ما يفعل، وأن عدالته تأتي عبر طرق غامضة خفية على عكس ما ينتظره البشر.
وقصارى القول إن العناية الإلهية هي يد الرب الخفية التي تنقذنا من أفعالنا الهوجاء التي نقوم بفعلها خطأ تجاه أنفسنا أو يقوم بها الآخرون في حقنا، لتقودنا نحو الدرب الصحيح مخففة من وطأة المحن والمعاناة التي تصيب الصالحين في شكل اختبار وإعداد لهم كي يتمرسوا على مواجهة صعوبات الحياة وكي يزدادوا قربًا من الإله، وأن الخير فيما هو حاصل الآن حتى وإن بدا شرًا، وأن عاقبة الأمور بخواتيمها حالما يستطيع الإنسان أن يدرك أن مشيئة الرب هي الخير للذين يفعلون الخير.