Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي دراسة في اللغة والأسلوب /
المؤلف
الوادي, أوس عصام هشام.
هيئة الاعداد
باحث / أوس عصام هشام الوادي
مشرف / محمد عبد المطلب
مشرف / اسلام حسن الشرقاوى
مناقش / اسلام حسن الشرقاوى
الموضوع
اخلاق الوزيرين ابى حيان التوحيدى
تاريخ النشر
2018
عدد الصفحات
221ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
الآداب والعلوم الإنسانية (متفرقات)
تاريخ الإجازة
1/1/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الآداب - اللغة العربية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 221

from 221

المستخلص

الحمد لله رب العالمين على كل حال، والصلاة والسلام على نبيه كريم الخصال ...
وبعد ...
فقد يسر الله لي أسباب البحث في ميدان النثر في العصر العباسي وتحديدا في العصر العباسي الثاني الذي ازدهرت فيه الكتابة نثراً وشعراً ، وبرز فيه كتاب عدة برعوا في كتابة النثر بأنواعه ومثلوا علامة فارقة فيه, يرجع ذلك لاتساع رقعة الدولة الذي كان سبباً رئيسياً في التداخل الثقافي والمعرفي الذي حدث بين الثقافة العربية وثقافات الدول الأخرى المحيطة بها؛ فنشطت حركة الترجمة, واتسعت العلوم والمعارف, وكثر الوراقون, وحلت الكتابة محل الخطابة, فانبثقت أنماط نثرية جديدة (كالمقامة والتوقيعات).
وقد كان من بين الكتاب الموجودين آنذاك أبو حيان التوحيدي، أديب فيلسوف مبرز، ترجم له ياقوت الحموي في ”معجم الأدباء” فقال عنه :
” علي بن محمد بن العباس أبو حيان التوحيدي، شيرازي الأصل وقيل نيسابوري، ووجدت بعض الفضلاء يقول له الواسطي، صوفي السمت والهيئة، وكان يتأله والناس على ثقة من دينه، قدم بغداد فأقام بها مدة ومضى إلى الري، وصحب أبا القاسم اسماعيل بن عباد وقبله أبا الفضل بن العميد فلم يحمدهما وعمل في مثالبهما كتاباً، وكان متفنناً في جميع العلوم من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام على رأي المعتزلة وكان جاحظياً يسلك في تصانيفه مسلكه ويشتهي أن ينتظم في سِلكه، فهو شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان، الذم شانه، والثلب دكانه، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لانظير له ذكاءً وفطنةً، وفصاحة ومكنةً، كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه، واسع الدراية والرواية..”.
عاش التوحيدي في القرن الرابع الهجري ؛ فعاصر رقي العلوم والفنون بأنواعها شتى، وهو ما يتجسد في كتاباته بوضوح، حتى عده بعض الباحثين ”جاحظ القرن الرابع” نظراً لاقتفائه أثر الجاحظ والسير على خطاه في أسلوبه وبلاغته، كما كان لعمله بالوراقة ونسخ الكتب، واطلاعه المستمر على كتب ورسائل في مختلف العلوم دور أساسي في خلق ذلك العالم الموسوعي الفذ، أضف إلى ذلك أنه كان من رواد مجالس العلم والأدب، يخالط العلماء ويجلهم، فتتلمذ على أيدي شيوخ عدة ذوي مذاهب وعلوم مختلفة.
بيد أن ازدهار القرن الرابع علمياً كان يشوبه اضطراب سياسيّ صاحبه اضطراب اقتصاديّ، ففي ظل سيطرة البويهيين، وضياع هيبة الخليفة، وصراعات الفرس والترك على كرسيّ الحكم ؛ انقسم المجتمع إلى طبقاتٍ ثلاث: الطبقة العليا وهي الأرستقراطية وتتألف من الخلفاء والوزراء وكبار التجار والأعيان والأشراف، والطبقة الوسطى التي يشغلها التجار المتوسطون والملّاك، أما الطبقة الدنيا فهم عامة الشعب من العمال والفلاحين والعلماء الذين ابتعدوا عن الخلفاء والأمراء، وقد عاش هؤلاء حياة صعبة قاسية مليئة بمعاناة الفقر والفاقة، وقد كان التوحيدي منهم، فلا عجب من سعيه الدائم للاتصال بالوزراء والأمراء، فقد كان يطمح إلى الهرب من حياته القاسية والتخلص منها بما يتاح أمامه من وسائل، مما عرضه للنقد الواسع من قبل نقاد كثر اتهموه بأنه كثير الطمع ،يستحسن عطاء الوزراء، خانع ذليل، لحوح في طلبه، متناسين ما عاناه من قساوة الفقر في حياته، ومتجاهلين في الوقت ذاته أن أدباء كثر طرقوا باب الخلفاء والأمراء والوزراء -آنذاك- طامحين إلى سلطة أو طامعين في عطايا مادية أو حتى معنوية، أي إن هذا السلوك لم يكن غريباً أو شاذاً في ذلك الوقت، ولم يكن التوحيدي متفرداً به.

والغريب أنه ليست هناك ترجمة وافية حول هذا العالم الفذ إلا ما ذكره ياقوت، فلا نكاد نعثر على ترجمة وافية مثلها له مما شكل عقبة كبيرة أمام الباحثين، وأثار خلافات بين العلماء بدءاً من كنيته التي ردها بعضهم لنوع من التمر يسمى ”التوحيد” كان يبيعه والده في بغداد، وردّها آخرون إلى مذهب ”المعتزلة”؛ الذين كانوا يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد.

كما اختُلف أيضاً في أصله أهو فارسيّ أم بغداديّ، فهاهو ياقوت يذهب إلى أنه شيرازي الأصل- أي فارسي- وإن كنا نميل إلى الرأي القائل بأنه بغدادي الأصل؛ إذ إنّ القائلين بعربيته ”يؤكدون أنه ليس في مؤلفاته مايشير إلى فارسيته، فضلاً عن أنه لو كان يمت إلى فارس بصلة النسب؛ لباهى بذلك في عصر كانت الدولة فيه للفرس، وكانت صلته بأمرائهم وحكامهم في القرن الرابع أمله وهدفه” ، والحال كذلك في تاريخ مولده ووفاته إذ يقول الدكتور أحمد الحوفي: ”ولكننا في تأريخنا لأبي حيان نلقى عسرين: عسراً في تعرف مولده، وعسراً في تعرف وفاته، كأنما اتفق الناس على إهماله ميتاً كما أهملوه حياً، وكأنما أبى حظه المهضوم إلا أن يلازمه في الحياة والموت”2.
أما عقيدته فقد طعن فيها بعض العلماء أمثال ابن فارس في كتابه ”الفريدة والخريدة”وابن الجوزيّ والذهبيّ، فاتهموه بالزندقة وقرنوا اسمه بمن اعتبروهم زنادقة، بل وجعلوه أخطرهم لأنهم ”..صرحوا ولم يصرح هو .”.3
ويبدو أن الذين لم يحتملوا سلوكه الفظّ، واعتداده بنفسه، وأسلوبه المتمرد، كانوا يستسهلون إطلاق تلك التهمة عليه، ”فالمتصفح لمؤلفات التوحيدي، يجدها تنفي هذا الاتهام على وجه اليقين، بل إنها تكشف عن صدق إيمانه وصحة عقيدته. ثم إن المتأمل فيمن اتهموا أبا حيان - كابن فارس وابن الجوزي- يجد أن ابن فارس كان أستاذاً للصاحب بن عباد، ومقرباً من مجلسه، لذلك لانستبعد أن يكون الانتقام هو الدافع الذي جعل ابن فارس يرمي التوحيدي بما رماه به، خاصة وأن ابن عباد كان أحد الوزيرين اللذين ألف التوحيدي كتاباً عن مثالبهما ونقائصهما” ، سماه ”أخلاق الوزيرين”.
”ولم يخف أبو حيان الأسباب التي دفعت به في غير شفقةٍ إلى تأليف كتاب الأخلاق هذا؛ فقد فارق أعزته ببغداد، وهجر أهله وإخوانه بها، وقصد الصاحب بالري، آملا أن ينال ببابه ما كان طمعه يدندن حوله، ونفسه تحلم به، وأمله يطمئن إليه، فخيب الصاحب أمله، وأساء معاملته، فتجرد أبو حيان للانتقام.”
إن كتاب ”أخلاق الوزيرين” إذن نقد لاذع، وضعه أبو حيان لهجاء الوزيرين ”الصاحب بن عباد” و”ابن العميد”، وإن كان قد ذكر فيه شيئاً من فضائلهما، قام بتأليفه بناء على طلب من الوزير ابن سعدان، فاتُّهم فيه بالتناقض ؛ لأنه طعن في الوزيرين ثم عاد فأقر بفضائلهما، فكان ذلك مأخذاً عابه المؤرخون والنقاد عليه.

وقد قام أبو حيان - في الفترة الأخيرة من حياته – بإحراق كتبه، وهنا كانت الطامة الكبرى ؛ إذ ضحى بنتاج عقلي جاء حصيلة لسنين طوال من الجهد والترحال بين مختلف العلوم، حيث أورد ياقوت الحموي في معجمه ”وكان أبو حيان قد أحرق كتبه في آخر عمره لقلة جدواها، وضناً بها على من لا يعرف قدرها بعد موته.
وكتب إليه القاضي أبو سهلٍ عليُّ بنُ محمدٍ يعذُلُهُ على صنيعِهِ، ويعرِّفُهُ قُبحَ ما اعتمد من الفعل وشنيعِهِ. فكتب إليه أبو حيان يعتذرُ من ذلك:” ثمّ اعلم علّمك الله الخيرَ أنّ هذه الكتُبَ حوت من أصناف العلم سِرَّهُ وعلانيَتَهُ، فأما ما كان سراً فلم أجد له من يتحلّى بحقيقته راغباً، وأما ما كان علانيةً فلم أُصب من يحرص عليه طالباً، على أني جمعتُ أكثَرَها للناسِ ولطلبِ المثالَةِ منهم ولعقدِ الرِّياسةِ بينهم ولمدِّ الجاهِ عندهم فحُرِمتُ ذلك كلَّهُ،-ولا شكّ في حسن ما اختاره الله لي وناطهُ بناصيتي، ورَبَطَهُ بأمرِي-، وكَرِهتُ مع هذا وغيرِهِ أن تكونَ حُجّةً عليّ لا لي، ومما شحذَ العزمَ على ذلك ورفع الحِجابَ عنهُ، أني فقدتُ ولداً نجيباً، وصديقاً حبيباً، وصاحباً قريباً، وتابعاً أديباً، ورئيساً مُنيباً، فشقّ عليّ أن أدعَها لقومٍ يتلاعبونَ بها، ويُدَنِّسونَ عِرضي إذا نظروا فيها، ويشمَتونَ بسَهوي إذا تصَفَّحوها، ويتراءَونَ نقصي وعيبي من أجلِها، فإن قلتَ ولم تَسِمهُم بسوءِ الظّنِ، وتُقَرِّعُ جماعَتهم بهذا العيب؛ فجوابي لك أنّ عِياني منهم في الحياةِ هو الذي يُحَقِقُ ظنّي بهم بعد الممات، وكيفَ أترُكُها لأُناسٍ جاوَرتُهم عشرينَ سنةً فما صحَّ لي من أحدهم وِدادٌ؟ ولا ظَهَرَ لي من إنسانٍ منهم حِفاظٌ، ولقد اضطُرِرتُ بينهم بعد الشُهرةِ في أوقاتٍ كثيرةٍ إلى أكلِ الخُضَرِ في الصحراء، وإلى التَكفُّفِ الفاضِحِ عندَ الخاصةِ والعامةِ، وإلى بيعِ الدينِ والمروءةِ، وإلى تعاطي الرِّياءِ بالسُّمعةِ والنِفاق، وإلى مالا يَحسُنُ بِالحُرِّ أن يَرسِمَهُ بالقلمِ، ويطرحُ في قلب صاحبهِ الألَمَ، وأحوالُ الزمانِ باديةٌ لعينِكَ، بارِزَةُ بينَ مسائِكَ وصباحِكَ،...”.
والمتأمل في هذه الرسالة يرى حالة اليأس والجزع التي أحاطت بهذا الأديب الفيلسوف في أواخر حياته نظراً لما لاقاه من الخيبات المتلاحقة سواء كانت من قبل مجتمعه، أو حكام عصره، فنجده - أغلب الأحيان- ينأى بنفسه، ويشكو زمانه، ومجتمعه، بأناسه ووزرائه وحكامه، ويرثي حاله وحال العلماء في عصره.
أما كتاب ”أخلاق الوزيرين” فقد صاغه أبو حيان بأسلوب فني، وأحاطه بإطار قصصي ضمّنه مواقف وأحداثاً جاءت على ألسنة أناس عاصروها -على حد قوله، يرويها بتفاصيل يصعب حفظها، فهي تتضمن - إضافة إلى الأخبار- أبياتا شعرية ، الأمر الذي يجعلنا نميل إلى أن هؤلاء ”الرواة” ”افتراضيون”، وما هم إلا وسيلة من خيال الكاتب استخدمها إما ليضفي طابعاً من التشويق يكمل به الصورة التي حاول رسمها في كتابه، أو خوفاً من بطش الصاحب بن عباد وابن العميد.
وسوف أركز في هذه الدراسة على الجانب اللغوي في هذا النص محاولاً رصد العناصر التي تؤدي إلى الترابط النصي على المستويين المعجمي والتركيبي ؛ لا للتحقق من نصيته بل لدراسة هذه الظواهر على نحو مستقل - وما لها من أثر في تجلية أفكار الكاتب وتلاحمها وبلورتها في قالب فني رصين، مستعيناً في ذلك بعلم النص ومستفيداً من أدواته الإجرائية.
وبناء عليه قمت بتقسيم دراستي هذه إلى: مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة. حاولت أن أعطي في المقدمة لمحة عن أبي حيان وعن كتابه (أخلاق الوزيرين) –موضوع البحث- وسبب تأليفه.
وقد خصصت التمهيد بعرض أدوات علم النص الإجرائية التي سأستعين بها في تحليل نص (أخلاق الوزيرين) والتعريف بها وبيان أهمية هذا المنهج، مستعيناً بجهود علمائنا القدماء والمحدثين في ذلك، فإن لهم فضيلة الابتداع، ولي فضيلة الاتباع .
- أما الفصل الأول: وعنوانه (السبك النحوي والبلاغي) فقد عني برصد العلاقات الصياغية التي تؤدي إلى التماسك داخل النسيج النصي، مركزاً في ذلك على ثلاثة عناصر :الإحالة، فالاستبدال, ثم الحذف.
-الفصل الثاني: والذي حمل عنوان (السبك المعجمي): يهدف إلى رصد مظاهر السبك معجمياً ودراستها وبيان أثرها في تماسك النص، وذلك عن طريق رصد التكرار: من حيث هو( كلي، جزئي، تكرار بالاسم الشامل)، والمصاحبة اللغوية: وعلاقات التضاد، والتنافر، والترادف، والجزء بالكل بين الكلمات والعبارات